ملخص كتاب أرسطو "الفيزياء ـ السماع الطبيعي"
المقالة الأولى
العلوي رشيد
ملخص كتاب أرسطو: "الفيزياء أو السماع الطبيعي"
نحاول أن نقدم هنا ملخصا موجزا للمقالة الأولى من كتاب "الفيزياء"، والتي تتضمن تسع فصول يعالج فيها أرسطو أساسا نقد حجج الفلاسفة الطبيعيين بخصوص العديد من القضايا مع بيان موقفه من تلك القضايا.
يتعلق الإشكال الاول المطروح في هذه المقالة بتحديد وتعيين موضوع الطبيعيات كعلم يقيني، وهو ما لم يتم دون الكشف عن المبادئ كما يرى أرسطو، ويبحث في هذا الفصل آراء الأقدمين في عدد المبادئ، حيث أن هناك من يعتبر أن "مبدأ الطبيعة إنما واحد أو أكثر من واحد".
إذا كان مبدأ واحدا، فإما أنه غير متحرك كما هو الحال لدى بارمنيدس وماليسوس، وإما متحرك كما هو الحال لدى الطبيعيون: الماء، الهواء، النار، التراب...
وإذا كان أكثر من واحد، فإما أنها متناهية: مبدأ واحد، مبدأين، ثلاثة مبادئ،... أو أي عدد معين، وإما غير متناهية، حسب ديمقريطس، فهي واحدة في الجنس ومختلفة في الشكل والخصائص النوعية أو متضادة.
إن الأمر يتعلق إذن في نظر الفلاسفة بالتساؤل التالي: هل المبدأ أو العنصر المتكون واحد أم أكثر من واحد؟
انتقد أرسطو تصور ديمقريطس "الوجود بكامله مركز في إنسان واحد".
ماليسوس وبارمنيدس الذين يحاولون نقد استدلال السوفسطائيين باستدلال أشنع لأنه مقدماتهما فاسدة، وأقيستهما رديئة والإنسان لا يتردد في الشك في هذا الإستدلال. فبالنسبة لأرسطو لا يتعلق الأمر إلا بالمسلمة / القضية التالية:
"الأشياء، والموجودات الطبيعية في كليتها أو في جزء منها واقعة تحت الحركة والتغير". أي أن كل الأشياء والموجودات إنما أساسها هو التغير، فهي في حركة دائمة، وعلى هذا الأساس يعتبر أرسطو أن الغاية من النقد ليس هو نقد كل الدلائل والحجج، بل "هدم البراهين الفاسدة المستنبطة من المقدمات والمبادئ المسلمة في كل علم على حدة"، وهذا لا يعني سوى أن بعض المبادئ صحيحة ولكن النتائج المستخلصة منها فاسدة كما سنرى ذلك فيما بعد، رغم اعتقاده أن دراسة هؤلاء الفلاسفة لم ترقى إلى مستوى "الدراسة الطبيعية".
يطلق لفظ "الموجودات" على أنحاء شتى في نظر الفلاسفة حيث أن هناك من يقول أن "الموجودات كلها واحدة"، ولكن ما يهم أرسطو هو معرفة ما إذا نظروا إلى الموجود من جهة الجوهر، أو الكم، أو الكيف، وما إذا كان الوجود بكامله جوهرا واحدا، وعليه يتساءل: هل يقصدون بالجوهر ما نفهمه من عبارة "إنسان واحد / فرس واحد" و "نفس واحدة"؟ هل يقصدون إن الموجودات كلها واحدة من جهة الكيف؟ وهل الكيف واحد؟
إن الأقوال تختلف والقول بها واحدة (من جميع الجهات) محال. فإذا كان الوجود جوهرا وكيفا وكما كانت الموجودات كثيرة لا واحدة. وإذا كان الموجود إما كيفا وإما كما سواء وجد الجوهر أم لم يوجد كان هذا القول محالا ممتنعا.
هكذا يخلص أرسطو (ص 15) قائلا: "إلا أن الموجودات هي في الحقيقة كثيرة أو بعبارة أخرى أن الشيء الواحد قد يصير كثيرا سواء قلنا بالتعريف (الأبيض وصفة الموسيقار مفهومان مختلفان، إلا أنهما يصدقان على شيء واحد بعينه هو موضوع لهما، وإذن فالواحد كثير). أو قلنا بالقسمة، كأن ننظر إلى الكل من جهة كونه مجموع أجزائه التي ينقسم إليها وقد وجدنا الفلاسفة في هذه الحالة الأخيرة قد اتخذتهم الحيرة واعترفوا بأن الواحد يكون كثيرا كما أنه لا يمكن أن يكون الشيء بعينه واحدا وكثيرا من غير أن يكون من هذا الوجه ذا خصائص متناقضة: ذلك أننا قد ننظر في الواحد في ذات الوقت من جهة وحدته المتحققة بالفعل ومن جهة كثرته الممكنة (أو الموجودة بالقوة)" (ص16).
وفي الفصل الثالث ينتقد حجج الإيليين وأساسا ماليسوس وبارميندس Parménide et Mélissus لأنهم يستدلون استدلالا سوفسطائيا، لأنهما يضعان مقدمات كاذبة ويستنتجان منها أقيسة باطلة. واستدلال ماليسوس أشنع ولا "يتردد الإنسان أن يشك فيه وأن يدحضه" (ص17). حيث نجد فيه قضية فاسدة والنتائج كلها كاذبة، وخطأ استدلال ماليسوس واضح:
ينطلق ماليسوس من القضية التالية: إذا كان كل ما يتكون ويحدث فله أول يبتدئ منه. ويستنتج منها: كل ما لا يتكون فليس له أول يبتدئ منه. وتنضاف إلى هذه الشناعة شناعة أخرى، حيث جعل مفهوم الأول الذي منه الإبتداء شاملا لكل شيء محدث قاصدا بذلك تبعا للشيء المتكون المحدث لا تبعا للزمان. وكذلك الأمر بالنسبة للاستحالة (التغير الكيفي) وكأن التغير لا يحدث دفعة واحدة، فلماذا لا نستنبط عدم التغير من الوحدة؟
نفس الشيء بالنسبة لبارمنيدس فأرسطو ينتقد المنهج المتبع، معتبرا أن المقدمات كاذبة وبالتالي النتائج فاسدة، لأن بارميندس جعل الوجود مطلقا في معناه في حين أن الوجود بالنسبة لأرسطو يقال على أنحاء شتى. والاستنتاج فاسد لأنه لا شيء مما هو غير أبيض بموجود، وإذا كان للأبيض معنى واحد فإن الشيء الأبيض ينبغي أن يكون كثيرا لا واحدا، لأن الأبيض ليس واحد بالاتصال ولا بالتعريف، فاختلاف البياض وموضوعه كان بسبب المفهوم أو التصور، وهذا المعنى لم يكن محصلا في عصر بارمنيدس كما يقول أرسطو.
لذلك وعليه ينبغي النظر في الوجود بما هو وجود وفي الواحد من جهة ما هو واحد، بدلا من النظر في وحدة الوجود باعتباره عارضا محمولا. فالمحمول أو العرض إن اتصف به موضوع ما، فالموضوع الذي يكون الوجود محمولا عليه وموصوفا به موضوع مباين ومخالف للوجود، وهكذا فمن "المحال أن يكون الوجود واحدا" (ص20).
ويحاول في الفصل الرابع، نقد الطبعيين الحقيقين وخاصة انكساجوراس. حيث يرى أن الطبيعيون ينقسمون الى نوعين:
النوع الأول: اعتبروا أن وحدة الوجود تتمثل فى جسم طبيعي (جوهر): ماء، هواء، نار... و كل العناصرمتوحدة في هذا الجوهر بواسطة التكاثف و التخلخل و بذلك اثبتوا الكثرة فى الموجودات. و على عكس افلاطون لا يعتبرون ان المثال كصورة هو اساس وحدة الوجود.
النوع الثاني: يرى هؤلاء من الواحد الذي يحمل التضاد تخرج المتقابلات عن طريق التجزئة و القسمة (أنكسماندر، أنباذوقليس، وأنكساغوراس) فكلهم أتبثوا وحدة الموجودات و اثبتو كثرتها.
أمباذوقليس افترض أن مجرى الطبيعة منبني على تكرار أنواع الأشياء الطبيعية على مبادئها وكأنها تدور في فترات من التعاقب الدوري حتى ترجع في دورتها إلى نقطة البداية.
انكساغوراس يجعل مجرى الطبيعة متحركا في اتجاه واحد بدون تكرار ولا رجوع كما افترض عددا لا متناهيا من الأجسام المتمايزة في الوقت الذي اكتفى أنباذوقليس بالعناصر (الجواهر) الأربعة. يظهر أن أنكساغوراس اتبع رأي جميع الفيزيائيين: من المحال أن يتكون شيء من لاشيء. مبدأ آخر لأنكساغوراس: المتضادات يتكون بعضها من بعض وهذا يعني بالنسبة له أن كل واحد منها موجود من قبل في موجود آخر، ولا شيء يتكون من لاشيء.
لقد سلم وأصحابه إلى أن: أجزاء كل شيء يجب أن تكون ممتزجة في كل شيء، فأجسام الطبيعة باختلاف أنواعها يتولد بعضها عن بعض "فتوهموا أن هذه الأشياء إنما كانت متغايرة فأطلق عليها أسماء متباينة تبعا للعناصر السائدة الأغلب من جهة الكم حين اختلاط الأجزاء غير المتناهية بالعدد. أما في الحقيقة الخالصة (رأي أرسطو) فنحن لا نجد شيئا كله محض أبيض وأسود ولا حلو ولا لحم ولا عظم، بل إنما ينسب الشيء إلى ما غلب عليه من عنصر سائد فيه مأخوذ على أنه طبيعته" (ص22).
إذا كان كل موجود يستخلص من موجود آخر، فهذا غير ممكن بالنسبة لأرسطو لأن الجزء المستخلص من الجزء الآخر يؤدي إلى انفصال الواحد عن الآخر، "إذا انتزعنا من مقدار معين من الماء جزءا معينا من اللحم ثم رجعنا جزء آخر من اللحم من ذلك الماء المتبقي، فإنه وإن كان ذلك الجزء المستخلص على التوالي ينقص كمه باستمرار فإنه لا يتجاوز مقدار حد ما من الصغر ولا أن ينقص عن أصغر جزء فيه" (ص23). وما يعني ذلك من أنه "لا يصدق أن يكون كل شيء موجودا في كل شيء"، وأنه "من المحال أن يكون كل واحد من الأشياء موجودا في كل واحد منها". ولما كان كل جسم متى انتزع منه جزء معين نقص بالضرورة، وصار لا محالة أصغر، وكانت كمية اللحم محدودة من جهة المقدار والصغر، تبين أنه من جزء ممكن من اللحم لا يمكن أن نستخلص جسما على الإطلاق، إذ أنه يصبح أقل حد ممكن أدنى.
تحدث أيضا أنكساغوراس عن فكرة صحيحة دون أن يعرف أسبابها وهي أن "الأشياء لا تتميز كاملا" وأن "الإنفصال لا يتم أبدا".
وفي الفصل الخامس، يعالج مسألة الأضداد بوصفها مبادئ، من خلال تفسير رأي القدماء ونقده لذلك التفسير، حيث يذهب أرسطو إلى إن القدماء عامة اتخذوا المبادئ على أنها أضداد على الرغم من أن كل واحد اتخذ ذلك على نحو ما، لذلك يقول: "وإذن قد اتضح أنهم جميعا، كل واحد على شاكلته، يجعلون الأضداد مبادئ، وهذا وجه صحيح" (25). إن أرسطو يثبت في نهاية الفصل صحة اعتبار المبادئ أضداد لذلك يقول: "ومهما يكن الأمر فقد ظهر أنه يجب أن تكون المبادئ أضداد" (27)، وحجته في ذلك:
لأن المبادئ ينبغي ألا يتكون بعضها من بعض، وألا تتكون من شيء آخر غيرها ومن المبادئ تتكون جميع الأشياء، والمبادئ:
أولى: لأنها لا تتكون من أشياء أخرى.
متضادة: لأنها لا يتكون بعضها من بعض.
والمبادئ أولى ومتضادة حسب تبرير أرسطو، حين انطلاقه من مسلمة أو قضية أولى، وهي: "أن الأشياء لا يمكن أن يتأتى منها الفعل ولا أن يؤثر بعضها في بعض ولا أن يتكون منها أي موجود عن آخر على وجه الاتفاق والصدفة اللهم إلا أن يكون ذلك عن طريق العرض اللازم" (25).
إن القدماء قد اتخذوا هذه المبادئ على أنها أضداد من غير أن يستدلوا عليها بسند عقلي ولا أوجدوا لها سببا معقولا. فهناك من قال بها من خلال ما اتضح بالعقل ومن قال بها من جهة الحس، "إنهم اتفقوا من وجه، واختلفوا من آخر" (27).
أما في الفصل السادس، فيعتبر أن عدد المبادئ ثلاثة وثلاثة فقط، حيث يعود إلى النقطة التي أشار إليها في الفصل الأول والمتعلقة بالمبدأ الأول للطبيعة، هل هو واحد، أم أكثر من واحد؟ هل المبادئ الأولى للطبيعة متضادة، اثنين أم ثلاثة أم أكثر؟ ويرفض كون مبادئ الطبيعة واحدا حيث يقول: "أما أن تكون مبادئ الطبيعة واحدا فذلك محال" (28). وذلك لسبب ولحجة بينة: أن التضاد من حيث هو مكون للطبيعة يقتضي الثنائية (خلاصة الفصل 5).
هل المبادئ متناهية بالعدد؟ يرفض أرسطو اعتبار الأعداد متناهية بالعدد حيث يقول: "وأيضا ليس من الجائز أن تكون الطبيعة، موضوعا للعلم، ولا الوجود معقولا" (28). ومن الواضح أنه مادام التضاد أمرا أساسيا، ويقتضي الثنائية فإن المبادئ بالإضافة إلى كونها محدودة العدد ينبغي أن تكون أكثر من واحد. ويبرر (من جهة) ذلك معتبرا أن في كل جنس تقابل واحد، والجوهر جنس ما واحد. ويرد بذلك على أمباذوقليس لاعتقاد هذا الأخير أن المبادئ متناهية حيث يقول "لأن تكون المبادئ متناهية أفضل وأولى من ألا تكون غير متناهية"، ويعتبر أرسطو أن أمبادوقليس يحاول فهم ما فسره أنكساغوراس، ومن جهة أخرى يبرر ذلك معتبرا أن مختلف ضروب التضاد بعضها أهم من بعض، وبعضها حادث متولد عن بعض. فالأضداد تفترض مبدأ ثالثا.
في ضرورة المبدأ الثالث: في كل سائر ضروب التضاد تنشأ الحاجة إلى المبدأ الثالث، ويقدم أرسطو مثالا على ذلك: "ليس من شأن المحبة مثلا أن تتحد مع سطوة العداوة ولا أن تحصل منها على شيء. وكذلك لن تكون العداوة قاهرة ولا أن تحصل منها على شيء. وكذلك لن تكون العداوة قاهرة مؤثرة في المحبة بل الأولى أن فعل كل واحد منها يحصل في حد ثالث خارج عنها" (28).
المبدأ الثالث هو الذي فكر فيه الفيزيائيون الذين زعموا أن الكل إنما يتكون من طبيعة واحدة قد تكون الماء أو الهواء أو النار أو أي شيء متوسط بينهما (يعود إلى الفصل الأول).
"ومهما يكن الأمر فقد بينا بهذه الحجج وما شابهها بأنه يجوز أن نقول عن حق: إن العناصر أو المبادئ ثلاثة. إلا أنه يجب ألا نذهب إلى ما وراء ذلك"، وهكذا يظهر أن أرسطو أكد "أن العنصر أو المبدأ واحد ولا يجوز أن يكون أكثر من اثنين أو ثلاثة. ولكن أين وجه الصواب في كل هذا؟ إن هذا السؤال كما قلت محير جدا" (30)، هنا يقر أرسطو أن المسألة ليست في غاية البساطة.
في الفصل السابع، يعالج نظرية التكون من الأضداد والمادة كموضوع، لذلك ينطلق كما يعلن "من العام متجها نحو الخاص"، والتصور العام للتغير يتمثل في: حصول الشيء "في الوجود" أو كونه صائرا مستحيلا إلى هذا الشيء أو ذلك خاصة الشيء الذي لم يتكون بعد. فحينما نتحدث على أن شيئا ما قد تكون من شيء آخر أو حل محله فإننا قد نستعمل:
* إما حدود مفردة ـ بسيطة للدلالة عليه
* وإما حدود مركبة
والحد المفرد والبسيط، يقال عندما أكتفي في نطقي من ناحية أولى بذكر حد موضوع التكون: لفظ إثنان أو لفظ غير العالم؛ ومن ناحية أخرى عندما أنطق بالموضوع الذي صارت واستحالت إليه الأشياء المتكونة: لفظ العالم بالموسيقى.
والحد المركب: على خلاف ذلك عندما نربط في حدود موضوع التكون وما صار إليه من صفة واستحالة: الإنسان غير العالم صار إلى إنسان عالم بالموسيقى.
إن من الاشياء ما قد يستحيل عن طريق التكون إلى شيء آخر وما قد يحدث عن الشيء الآخر.
في جميع أحوال التكون ينبغي أن ندرك ضرورة وجود موضوع ما أي ضرورة ما يتكون منه وما إذا كان واحدا بالعدد، أي أنه ينبغي أن نميز بين أن يصير الشيء شيئا آخر وذلك من طبيعته، وإنما أنه يصير من خلال وضعية أولى "عدم"، فالإنسان يصير عالما بالموسيقى لأنه غير عالم بها وليس من طبيعته كذلك.
فعل "يوجد" يطرح مشكلة في اللغة الإغريقية إنه غامض ومبهم ففعل الوجود "يكون" له عدة معاني:
* يطلق على الفعل "يكون" ويقصد به صار إلى، في معنى مطلق.
* يدل على التكون والدخول في الوجود
* يطلق على استحالة هذا الشيء إلى كذا وكذا مما لم يكن موجودا من قبل.
التكون أو المتكون بالمعنى المطلق ينقسم إلى:
* تغير الصورة وتكونها مثل إبداع التمثال من النحاس،
* أو الزيادة أو الإضافة مثل الاشياء التي تنمو،
* أو النقصان مثل استخراج صورة هرمس من قطعة رخام،
* أو التركيب مثل بناء منزل،
* أو الاستحالة مثل ما يطرأ على كيفيات خواص المادة ذاتها.
كل هذه العمليات التي تنشأ عن التكون بالمعنى المطلق تنشأ مع موضوع يكون هناك حتى يخضع لعملية التغير هذه. وهكذا يتضح أن كل ما يتكون فهو مركب:
– يوجد الشيء الذي يبدأ في الوجود.
– ما يصير إليه الشيء بالتكون، وهو بمعنيين:
أ – إما الموضوع يدوم ويبقى كخاصية مقابلة.
ب ـ إما أن التكون هو مجرد صورة وشكل والموضوع هو ما تكون منه (التمثال من النحاس أو الرخام...)
الأشياء الكائنة مبادئ عليها ينشأ التكون: إن عناصر الاشياء الطبيعية المتكونة تتركب في كل حالة من موضوع حامل وصورة تعطي لهذا الموضوع خواصه المحددة.
الموضوع واحد بالعدد لكن له وجهان متمايزان: من جهة الصورة (لأن المادة: ذهب إنسان، قابلة لأن تعد)، ومن جهة أخرى الصورة كنظام.
مبادئ تغييرات الأشياء هي بمعنى ما إثنان وبمعنى آخر ثلاثة، لأن كل تغير متحقق يوجد بين حدود الأضداد كالحال بين العالم وغير العالم، أو الحار والبارد... أو من جهة أخرى فإن هذين المبدأين غير مناسبين لأنه يمكن وجود انفعال متبادل أو تأثير متبادل بين الاضداد. وعليه يقول:" المبادئ ليست أكثر من الأضداد، ويمكن أن نقول بأنها إثنان في العدد لكنها بمعنى آخر ليست اثنين على الاطلاق بل ثلاثة نتيجة للاختلاف القائم بين ماهياتها فالعالم بالموسيقى هو غير العالم بالموسيقى، يختلفان من حيث الجوهر"(34).
أما في الفصل الثامن، فالنتيجة التي انتهى إليها أرسطو بصدد التكون وأن المبادئ ثلاثة وفقط ثلاثة: "لا تحل مشكلة التكون فحسب وإنما تمدنا أيضا بالعون على أن نخرج من الطريق المظلم الذي قادت إليه تأملات الفلاسفة المتقدمين حول هذا الموضوع" (36). ففيماذا أخطأ الفلاسفة؟
لقد شرعوا في البحث في حقيقة الأشياء وعن طبيعة كل ما يوجد "كانوا قد ضلوا السبيل، لعدم خبرتهم وحاجتهم إلى علامة تدلهم على الطريق". لقد أكدوا أنه لا شيء من الموجودات يتكون أو يفسد، لأن حجتهم في ذلك هي أن ما يتكون ينبغي أن يحدث بالضرورة إما عن موجود أو غير موجود.، وكلا الاحتماين محال.
يتساءل أرسطو: كيف يمكن أن يتكون الموجود إذا كان حاصلا على الوجود؟
ويؤكد: "من الواضح أنه لا يمكن أن يتكون شيء من العدم، لأن ما يتكون في نظره يحتاج إلى شيء يتكون عنه والعدم ليس بموجود على الاطلاق. إن بطلان منطق الفلاسفة سيقودهم إلى القول: إن الوجود الحق والمتحقق ليس كثيرا وإنما هو واحد فقط". وتفسير أرسطو يتمثل في أنه: عندما نقول عن أي شيء يبتدئ في التكون سواء من الموجود أو من المعدوم أو عن الموجود الفاعل أو المنفعل على أي وجه كان أو ماشئت من أنواع التكون:
أرسطو: ليس هناك تكون ناشيء على الاطلاق عن العدم مما لا يمنع أن يكون هناك تكون عن العدم بطريق العرض: إذا انطلقنا من العدم الذي هو في ذاته غير موجود، ومن دون أن يبقى معدوما فقد يتكون شيء ما وكل هذا لا يلغي المسلمة:
أن كل شيء إما أن يكون موجودا أو غير موجود. فحل أرسطو يكمن في التمييز بين الوجود بالقوة (الإمكان) والوجود بالفعل (التحقق).
والمادة هي موضوع الفصل التاسع، حيث يوجه نقدا لأفلاطون لكي يبرز جوهر نظريته التي لا تقوم على الصورة بل على الجوهر حيث يرى أن بعض المفكرين قبلوا تصور بارمنيدس واعتبروه حق وهو تصور يرى أن التكون يحصل على الاطلاق عما ليس يوجد. فالمادة عند أرسطو تعتبر مكونة للجوهر (الجوهر العيني)، وعدم الصورة فليس من الجوهر في شيء على الاطلاق. أما مذهب التكون عند هؤلاء الفلاسفة ثلاثي: الكبير، الصغير، المثال أو الصورة، في حين أنه في مذهب أرسطو فالتكون ينبني أيضا على الثلاثي :المادة، غيابها، الصورة، إلا أن هذا الثلاثي الأخير الأرسطي بعيد كل البعد عن تقسيمات الآخرين، حيث يعتبر أن الصغير والكبير في نظر ه مساويين للمادة وليسوا ثنائية على الاطلاق.
المادة عند أرسطو هي بالضبط الموضوع المحايث المشترك العام لسائر أشياء الطبيعة مما هو مقتضى جوهر المكون لا العرضي.
ما سيأتي من المقالات السبع سيناقش فيها أرسطو بتفصيل المادة والصورة والحركة والطبيعة، التغيير، العلل الأربعة، العلة الأولى غير المتحركة، المكان، الزمان الضرورة والكون وما إلى ذلك من موضوعات الطبيعة أو الفيزيقا.
يناير 2009
العلوي رشيد
الدار البيضاء ـ الألفة
ثانوية عبد العزيز الفشتالي
elalaouirachid2006@yahoo.fr
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire