samedi 8 août 2009

المنطق و الرياضيات: أية علاقة؟

المنطق والرياضيات: أية علاقة؟

العلوي رشيد

مدخل:

لقد شكل التساؤل حول العلاقة الممكنة بين المنطق والرياضيات أساس البحث الابستمولوجي، وبين النزعة الفلسفية والنزعة العلمية ـ الرياضية يتأرجح المنطق باعتباره الرابط الضروري لكل من الفلسفة والعلم معا. لذلك فالاهتمام بالصلة بين العلمين عالجه الفلاسفة والعلماء على حد سواء، كل حسب تصورهوهذا ما يدعونا إلى التساؤل: ما طبيعة العلاقة القائمة بين المنطق والرياضيات؟

إن اهتمامنا في هذا العرض لن يقف على كل المواقف التي راجت ولازالت تروج حول هذه الصلة، بل نتوخى الوقوف على الاتجاهات المعاصرة التي بحثت هذه الصلة والمتمثلة اساسا في:

ü النزعة المنطقية

ü النزعة الحدسية

ü النزعة الأكسيوماتيكية

ولكن هذا لا يعني أن الوقوف على الاتجاهات المعاصرة يعفينا من الخوض في بعض القضايا النظرية الضرورية لفهم تطور المنطق وتطور الرياضيات معا، هكذا تصبح العودة إلى هندسة أوقليدس ومنطق أرسطو ضرورة منهجية لاستيعاب الاتجاهات المعاصرة في المنطق الرياضي، فحينما نقرأ مثلا "أن أقليدس أفضل معلم للمنطق أكثر مما هو معلم للهندسة"، فإن الأمر لا يتعلق بحكم قيمة ولا بالنزوع نحو رد الهندسة منطقا، وإنما يتعلق بضرور فهم القوانين المنطقية التي حكمت نسق أوقليدس ونحن نتجه نحو اعتبار الانتاج الرياضي أو العلمي عامة، إنما هو محكوم بنسق ما، وهذا ما يتماشى مع اعتبار الاكسيومية "نسق فرضي ـ استنتاجي" (حسب تعبير بلانشي)، يتجاوز "نسق أقليدس" كنسق ينطلق من اواليات ليصل إلى حقائق مطلقة تنتج عنها بالضرورة. والانتقال التاريخي من الهندسة الأوقليدية إلى "الهندسات الاأوقليدية"، إنتقال غير ممكن ما لم يتم الوقوف على طبيعة النسق الأوقليدي الذي حكمه في هندسته العقلية المبنية على: التعريفات، المسلمات أو المصادرات، البديهيات...

يعتبرالمنطق والرياضيات علمين يسيران في اتساق وفي تطور متناغم، إلى درجة أن حدوث خلل في أحد العلمين يعني بالضرورة خلل في الآخر، وهذا ما حصل خلال أزمة الأسس الرياضية (1900-1930)، وفي الحاجة إلى منطق حديث يتماشى والثورات العلمية في مجال الرياضيات بمختلف أنواعه: التحليل، الجبر، الهندسة. ويتحدد القاسم المشترك أولا في كون هذين العلمين شهدا تطورا كبيرا في نفس اللحظة moment التي تطورت فيه الفلسفة لدى الإغريق، أي في القرن السادس قبل الميلاد، وبنفس الحجة، أي الضرورة إلى فهم وتبرير عقلي للعالم. وهكذا يكون المنطق والفلسفة والرياضيات ينحدرون من الاستعمالات الثلاث لكلمة "لوغوس" logos :

العقل = الفلسفة

الخطاب = المنطق

الحساب = الرياضيات

وثانيا، يتمثل القاسم المشترك في كون هذين العلمين متعلقان بشكل العقل وليس بمضمونه الداخلي أو الخارجي.

وفضلا عن هذه القواسم المشتركة بين المنطق (في بعده الفلسفي) والرياضيات، يمكن الوقوف على بعض التمايزات باعتبار أن المنطق الرياضي يدرس كما يدرس المنطق الصوري الاستدلالات الصحيحة لكن صحة أو فساد الاستدلال تختلف عن صدق وكذب القضايا التي يتكون منها الاستدلال. فالصحة تعتمد أساسا على الصورة المجردة، و ذلك بخلاف الصدق الذي يعتمد على المادة ومعطيات الواقع، فالصحة تعتمد على طريقة تنظيم القضايا التي لم تعد في المنطق الرياضي إلا متغيرات Variables هي بمثابة مكان خال، أو عبارة تتضمن مكانا خاليا، يملأ بقيم معينة تحولها إلى قضايا صادقة أو كاذبة، ولا نعرف هذا الصدق والكذب إلا عندما نقوم بتعويض الفراغ بقيمة مادية واقعية وتحديد مضمون القضية...

فمع أرسطو سيتخذ المنطق معناه الحقيقي كشكل أشكال البرهان العقلي الذي يمكن تسميته أيضا: شكل عملية الفهم حيث يتعلق الأمر بمشكلة واقعية المبادئ العقلية، فهل يمكن أن تكون المبادئ العقلية مبادئ واقعية؟ إن المسألة نفسها ستظهر لاحقا في الرياضيات بين الصياغة الصورية ـ الحدسية والصياغة "المادية"، أي بشكل الرمز الرياضي، فهل اللغة الرياضية هي موضوع الفكر الرياضي حيث تدل الرموز مباشرة على الأشياء بعينها، أم أن اللغة الرياضية بناء لا يعبر عن موضوع الرياضيات؟ سيشكل هذا السؤال منطلق الاتجاهين الاساسيين في الأكسيوماتيك: جبر المنطق واللوجيستيك.

إن العلاقة بين المنطق والرياضيات ظلت حاضرة في تساوق تام طوال مسيرة تطور المعرفة الإنسانية، فكيف تطور كل منهما؟

أولا: المنطق الصوري والحاجة إلى منطق جديد:

لبيان الحاجة إلى منطق رمزي رياضي جديد، نرى أهمية الوقوف على المنطق وموضوعه والمنطق الأرسطي تحديدا، فما المنطق؟ وما موضوعه؟ وما هي المبادئ العامة للمنطق الأرسطي؟

1 - المنطق وموضوعه:

من الصعوبة أن نجد تعريفا جامعا ومانعا للمنطق إلا أننا سنقف على تعريف رابيه Rabier حيث نقرأ: المنطق هو " اتفاق شروط العقل مع ذاته، واتفاق العقل مع الأشياء الخارجية، والعمليتان مرتبطتان وهما تكونان الشروط الضرورية والكافية للتوصل إلى الحقيقة"، وهو نفس المعنى الذي نجده في معجم لالاند، أي أن المنطق علم يتخذ كموضوع للدراسة الأحكام الخاطئة ـ الكاذبة والصحيحة ـ الصادقة، علم الذى يبحث فى المبادىء العامة للتفكير الصحيح، إذ أنه يضع الشروط الضرورية والكافية التى يتم بواسطتها الإنتقال من قضايا نفترض صدقها إلى النتائج التى تلزم عنها، وللمنطق [1] مجاله الخاص وطبيعته الخاصة التى تميزه عن غيره من العلوم وأساسا الرياضيات كعلم يتخذ كموضوع له الأعداد أو الحساب arithmétique أو أشكال المجال ـ المكان ـ الفضاء les figures de l’espace (الهندسة).

2 - المنطق الأرسطي:

من الصعوبة الإلمام بالمنطق الأرسطي في كل حيثياته ولذلك نكتفي بعرض الخطوط العامة للأورغانون ومحتوياته.

يشتمل كتاب الأورغانون (ككتاب جامع لمنطق أرسطو)[2]، على:

* مقدمة من وضع بورفوريوس.

* رسالة المقولات (قاطيغورياس) يبحث فيه المقولات العشر (وأساسا الأربعة الأولى)، أي الطرق العشر التي بمقتضاها يمكن لمحمول أن يكون مسبوقا بموضوع.

* رسالة التأويل التي تتضمن نظرية تعارض المقدمات، مع مناقشة للحالة التي تكون فيها المقدمات محمولة على احتمالات مستقبلية، وبحث عن تعارض وتتابع المقدمات الجهوية.

* التحليلات (الأنالوطيقا): وتتضمن تحليلات أولى: في جزئين، تعرض نظرية القياس، منظورا إليه من زاوية صلاحه الشكلي، وتحليلات ثانية في جزئين أيضا تتناول البرهان أي القياس القائم على المقدمات الضرورية والمقدم بالتالي بوصفه أداة للعلم.

* الحجج (الطوبيقا)، في ثمانية أجزاء مخصصة للمجادلة، أي للقياس القائم على المقدمات الاحتمالية فقط مثل المقدمات التي تصدر عن الأمور المشتركة.

* رسالة السفسطة التي تختم الأورغانون، وهي في الواقع من كتاب الحجج الذي يشكل الجزء التاسع من الأورغانون، مع خاتمته العامة المستندة إلى مجمل الحجج.

لقد ظل المنطق الأرسطي سائدا طوال قرون، ترجمه العرب (ترجمة إسحاق ابن حنين تحت عنوان الأورغانون)، كما كان موضع شروحات عدة أهمها شروحات ابن رشد. وحتى في الفلسفة الحديثة يمكن اعتبار البداهة والوضوح والتميز عند ديكارت استبطانا للمنطق الأرسطي، فإذا كان منهج ديكارت في اليقين يقوم على: البداهة، التحليل، التركيب، المراجعة، فإن هذا لا يعني غير العودة إلى أرسطو ففي كتابه :الفيزياء والسماع الطبيعي، نقرأ: "العلم اليقين إنما يحصل حينما نعرف الأسباب والمبادئ"، والتي تقوم على: "الانتقال من البسيط نحو المعقد، ضرورة التحليل والقسمة، الانتقال من الكلي نحو الجزئي..." .

وعلى الرغم من إسهامه في إرساء قواعد التحليل وتمييزه عن الجبر، فإن اليقين الديكارتي ما هو إلا اليقين العقلي المنبني على الوضوح والتميز العقليين (البداهة)، كما هو الشأن في يقين أرسطو.

شكلت الثورات العلمية التي هزت أركان الرياضيات مع ظهور الهندسات اللاأوقليدية[3] منطلقا لإعادة النظر في المنطق الصوري عامة. فكيف ظهر المنطق الرمزي؟

ثانيا: المنطق الرمزي أو المنطق الرياضي:

لقد ظلت الرياضيات تقليدية (حيث ارتكنت إلى مفاهيم لم تخضع لأي تحليل دقيق بل انبنت على البداهة العقلية) حتى مطلع القرن التاسع عشر، حيث اهتزت في فروعها الاساسية:

الهندسة (ظهور الهندسات اللاأوقليدية)؛

التحليل؛

الجبر (ظهرت نظرية المجموعات).

إن التخلص من البداهة والحدس العقليين أضفى على البرهان الرياضي طابعا منطقيا، مما ساهم في ظهور "أزمة الأسس" التي فرضت النظر في طبيعة البرهان الرياضي. وقبل الكشف عن مشكلة الأسس نستحضر طبيعة البرهان العقلي في الرياضيات ـ الهندسة الأوقليدية.

حدد أوقليدس ثلاث أنواع من هذه المبادئ، ظل ينظر إليها على أنها ضرورية لكل رياضي وهي:

أ – البديهيات axiomes – évidence: يقصد بالبديهية كل قضية واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان أو كما يقال هي حكم تحليلي محموله متضمن في موضوعه. وفي الرياضيات حدد إقليدس خمس بديهيات هي:

ü الكميات المتساوية فيما بينها تظل كميات متساوية

ü إذا أضيفت كميات متساوية إلى أخرى متساوية أعطيت كميات متساوية.

ü إذا طرحت كميات متساوية من كميات متساوية أعطيت كميات متساوية.

ü الكميات المتطابقة متساوية.

ü الكل أكبر من الجزء.

مميزات البديهية:

o واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان

o عامة تلزم جميع العقول كما تلزم في جميع المعارف

o ثابتة

o سابقة عن التجربة تدرك بشكل حدسي

o من نسيج العقل.

ب ـ المسلمة: postulat وهي قضية بسيطة يضعها العالم ويطالبنا بالتسليم بها على أساس أنه سيبني عليها نسقا رياضيا متماسكا. وأشهرها في الرياضيات تلك التي حددها إقليدس فيما يأتي:

ü من الممكن الوصل بين أية نقطتين بخط مستقيم

ü يمكن مد القطعة المستقيمة من جهة إلى ما لا نهاية.

ü يمكن رسم الدائرة إذا علم مركزها ونصف قطرها.

ü الزوايا القائمة متساوية.

ü من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن يمر إلا مواز واحد لذلك المستقيم

خصائص ومميزات المسلمة:

o قضية بسيطة ولكنها أقل وضوحا من البديهية

o خاصة (في مقابل البديهية التي توصف بأنها عامة) أي خاصة بالعالم الذي يضعها وبالمجال المعرفي.

o متغيرة.

o بعدية.

ج – التعريفات: يراد بالتعريف تحديد مفهوم أي حد أو لفظ بذكر خصائصه الجوهرية قدر الإمكان، وإذا استثنينا البديهيات والمسلمات فما تبقى في الرياضيات عبارة عن كائنات أو مفاهيم، ويمكن التمييز بين تعريفات تحليلية وأخرى تركيبية.
لقد ظلت الهندسة لقرون عدة حبيسة هذا الشكل الأوقليدي كنموذج لليقين، حيث وضع في كتابه "المبادئ" نموذجا لنظرية استنباطية حيث الألفاظ الخاصة بكل مبرهنة لا يمكن استعمالها إلا بعد تعريفها والقضايا لم تكن لتقبل إلا إذا برهن على صحتها. ويؤخذ فقط بالأواليات les axiomes فكيف تطورت الهندسة؟ وكيف تطور مبحث الأوليات؟

ثالثا: تطور الهندسة ومبحث الأوليات

لقد اتضح أن هندسة أوقليدس قائمة على أسس عقلية، منطقية برهانية لا يمكن أن تفلت من عيوب وهذا ما شكل منطلق ظهور الهندسات اللاأوقليدية.

1 – الأوليات الرياضية:

ينطلق أوقليدس من مجموعة من القضايا التي لم يكن يبرهن عليها لأنها أصل كل برهان.

ويميز في القضايا بين الأصول والمبادئ فهناك:

التعاريف

المفاهيم المشتركة

المطالب أو المصادرات أو الموضوعات.

إن البرهان الأوقليدي قد وضع موضع شك منذ زمان إلا أنه في أواسط القرن 19 تم التأكد من عدم صحة برهانه حيث ظهرت هندسة لوباتشوفسكي وريمان.

ومن أهم نتائج ظهور الرياضيات اللأوقليدية ما يلي:

أ‌. الفروض الرياضية توضع وضعا يتفق عليه عكس المبادئ اللأوقليدية التي يعتبرها حقة وصادقة.

ب‌. الكائن الرياضي لم تعد له طبيعة محددة بل يتخذ خصائصه من الدور الذي يلعبه داخل النسق والعلاقات التي يرتبط فيها مع الكائنات الأخرى.

ت‌. الرياضيات أصبحت نسقا افتراضيا استنباطيا، فبرهان أوقليدس يقر على أن المبادئ الصادقة تستتبع نتائج صادقة بالضرورة.

ث‌. خلصت الهندسة من طابعها الواقعي ـ التجريبي حيث لم نعد أمام أشكال مرسومة figures تدرك بالحواس بل إننا إزاء أشكال تعتبر جزءا من البرهان ذاته.

2 – صياغة الأوليات:

في الهندسة اللأوقليدية أصبحنا إزاء مفهوم الصلاحية validité بدلا من الحقيقة الرياضية، حيث استبدل باش Pasch (موريتز باش PASCH Moritz ألماني 1843 – 1930 أستاذ الرياضيات في جامعة جيسن Giessen اشتغل على الاكسيوماتيك في مجال الهندسة) استبدل المفاهيم الهندسية والأشكال المرسومة بالصياغة الأولية axiomatisation الاستنباطية وكتابه "دروس حول الهندسة الجديدة" يدل على نسقه الجديد.

وبدل الحديث عن النقطة، المستقيم، المستوى، يمكن الحديث في الهندسة مع الاكسيوماتيك عن طاولة وكرسي وكأس ... دون أن يكون في كلامنا ما يخل بالمعنى.

ذلك أن الصياغة الرمزية تعبر عن موضوع الفكر الرياضي ذاته إنها لغة تطابق الصور كموضوع جديد.

ومن أهم المبادئ الأساسية للاستنباط الرياضي لكي يكون دقيقا:

ü التصريح بالحدود الأولية التي ننوي أن نعرف عن طريقها باقي الحدود.

ü التصريح بالقضايا الأولية التي نعتزم عن طريقها البرهنة على مختلف القضايا الأخرى.

ü العلاقات بين الحدود الأولية التي ينبغي أن تكون مجرد علاقات منطقية وأن تستقل عن المعنى المشخص.

ü لا ينبغي أخذ الأشكال بعين الاعتبار بل نستخدم في البرهان العلاقات باستقلال تام عن الحدود

ينبغي إذن الاهتمام بالحدود اللامعرفة وهو ما اختلف عليه الرياضيين والمناطقة المعاصرين بين الانطلاق من الواقع حسب بلانشي وبين الانطلاق من المجرد / الصياغة الصورية نحو التحقق / العيني حسب الجماعة الفرنسية بورباكي.

رابعا : تطور التحليل

يرتبط التحليل analyse بديكارت منذ القرن [4]17، كمنهج للاكتشاف (عكس التركيب كمنهج للعرض)، وطريق الاكتشاف بالنسبة له ليس هو الهندسة، وإنما الهندسة التحليلية[5] أو الجبر. والتي فتحت المجال أمام تطبيق الرموز الجبرية على المسائل الهندسية، فما كنا نعتبره كما عقليا مشخصا أصبح كما عقليا مجردا عندما غدا في الإمكان التعبير عنه تعبيرا جبريا، وعلى هذا صار في الإمكان صياغة المفاهيم الهندسية صياغة جبرية كمعادلة الخط المستقيم وغيرها من المعادلات. وفي نفس الفترة وضع نيوتن التحليل الذي يستعمل الحروف (الجبر)، مقابل الحساب الذي يستعمل الاعداد، كما ظهر أيضا حساب اللامتناهيات.

ويشمل التحليل العديد من العمليات التي تقوم على:

ü مفاهيم الدالة fonction منذ القرن 17.

ü السلاسل العددية séries وحساب اللانهائيات مع نيوتن ولايبنتز.

ü النهاية والاتصال في القرن 19 مع لاكرانج وآيل، كوشي، بولزانو وفيرتاس

لقد حاول هؤلاء إرساء التحليل على أسس حسابية، وإبعاد نظرية الدوال عن البراهين التي تقوم على الحدس الهندسي مثلما الشأن في الهندسة التحليلية عند ديكارت. فمع لاكرانج في كتابيه "نظرية الدوال التحليلية" و "حساب الدوال"، أصبح التحليل قائما على مجموع الأعداد الطبيعية N أي على أسس حسابية وبرهان منطقي صارم بدل الاستعانة بالهندسة وأشكالها.

خامسا: تطور الجبر وظهور نظرية المجموعات

قيام التحليل على أسس حسابية وسع من مجال الجبر ولم يعد نظرية للمعادلات بل نظرية للمجموعات وهذا هو جوهر إسهام بولزانو، ديدكان فريجي وكانتور.

1 - جوتلوب فريجي gottlob fregé 1848 – 1952

مؤلفاته:

o أسس الحساب 1848

o الدالة والتصور 1891

o القوانين الأساسية لعلم الحساب 1893

o الفكر: بحث منطق 1918 – 1919

o التصورات 1879

تصوره الاساسي يتمثل في:

وضع إطار لنظرية حساب القضايا

وضع فكرة دالة القضية

فكرة السور quantifier (تشكل بالاضافة إلى الدالة أساس نظرية حساب المحمول)

التحليل المنطقي للبرهان عن طريق الاستدلال الرياضي باستخدام فكرة الفصل

موقفه من أسس المنطق الصوري وأبحاثه:

يميز في نظرية الحكم بين:

معرفة الصدق

الفكر

قيمة الصدق

تمييز فريجي بين الأفكار والأشياء:

§ لا يمكن رؤية الأفكار أو لمسها أو تذوقها، بعكس الأشياء

§ فكرة فرد ما له وليس لغيره ولا يمكن أن تكون لدى أحد إنها في شعوره الخاص

§ الأفكار تحتاج إلى حامل والأشياء مستقلة عن الحامل (قائمة بذاتها) أي أن فكرة فرد عن شيء ما تختلف عن فكرة شخص آخر.

§ كل فكرة من الأفكار لها حامل واحد، فليس للشخصين نفس الفكرة.

2 - كانتور: cantor

هو من سيوسع من دائرة الجبر من خلال ثلاث مسائل:

ü وجود مجموعات لا يمكن عدها

ü النقائض

ü تعريف المجموعات

إن ظهور نظرية المجموعات هو أساس أزمة الأسس التي امتدت 30 سنة (1900-1930) وذلك لعدم ملائمة المنطق التقليدي للرياضيات الحسابية (الجبر).

سادسا: أسس الرياضيات

المحاولات الجارية لإرساء الرياضيات على تحديدات منطقية (جهود نظرية المجموعات) بدلا من الحدس كان وراء ظهور ثلاث نزعات في الفكر الرياضي نجملها فيما يلي:

1- النزعة المنطقية:

ظهرت هذه النزعة أساسا عند فريج fregé الذي يدعوا إلى تحديد مفاهيم الرياضيات الخالصة بردها إلى حدود منطقية لا يعتمد فيها على البرهان المنطقي وهو بذلك يقف ضد:

· النزعة التجريبية ـ السيكولوجية عند ستيوارت مل

· الحدسية الديكارتية

· العقلانية التركيبية عند كانط

فريجي يسعى إلى الصياغة الصورية للمنطق بدلا من الصياغة الرمزية عند هيلبرت. إلا أن صياغة فريجي المنطقية ستعتريها عيوب (كما سيكشف ذلك راسل ووايتهد) وخاصة مع ظهور النقائض (كانتور).

هذا العيب في المنطق الصوري الذي لا يلائم نظرية المجموعات هو ما سيطوره راسل الذي سيميز بين القضية التي تطلق على كل واقعة أو علاقة.

الدالة: القضية التي تحتوي على متغير

الفئة class : تعني مجموع المتغيرات: س1، س2، س3... التي تحول دالة القضية إلى قضية صادقة.

الأصناف types : الذي يعتمد على التدرج: الأفراد، فئة الأفراد، فئة الفئات...

2- النزعة الحدسية

زعمائها الاساس الهولنديان بروفر وهاتينج، ويذهبان إلى القول أن موضوعات الرياضيات مستقلة ذاتيا عن المنطق. فالعبارة الرياضية تتوقف على تماسكها وليس تماسكها مع عبارة أخرى، وصدقها يقوم عليها وليس على علاقتها بغيرها من العبارات.

إن المنطق في نظرهم ليس أساسا للرياضيات بل الصياغة الصورية الحدسية هي الأساس حيث يقول هايتينج:

"ليس المنطق هو الأساس الذي استند إليه كيف يجوز ذلك؟ وهو محتاج إلى أساس. فمبادئه أكثر تعقيدا وأقل مباشرة من مبادئ الرياضيات ذاتها" درس البستمولوجيا ص 102.

3- النزعة الأكسيومية

هدفها كهدف النزعة المنطقية، أي إرجاع الرياضيات إلى المنطق. وتؤمن أن النسق الاستدلالي هو الذي يعطي المعنى والدلالة للقضايا الأولية. واللغة الرياضية هي موضوع الفكر الرياضي، حيث الرموز تدل مباشرة على الأاشياء بعينها.

وأساس هذه النزعة فكرتين:

§ لا يمكن اعتماد مبدأ عدم التناقض كمعيار كاف لاثبات وجود الموضوع الرياضي كما هو الحال لدى النزعة الحدسية، وليس اللغة الرياضية تعبيرا عن فكر رياضي، لأن موضوع الرياضيات لا يعبر عن حقائق في ذاتها.

§ لا يمكن الأخذ بالرموز الرياضية لأنها تعبر عن موضوع الرياضيات بل يمكن الأخذ بالكتابة الرياضية وهي تقف أمام النزعة المنطقية.

والأكسيوماتيك حسب روبير بلانشي (robert blanche : l’axiomatique ): نسق يصرح فيه تماما بالحدود اللامعرفة والقضايا اللامبرهن عليها. علما بأن هذه الأخيرة توضع كمجرد فرضيات يمكن انطلاقا منها أن تبني كل قضايا النسق وفق قواعد منطقية محددة تحديدا كاملا وصريحا.

ويعتبر بلانشي أن أوقليدس ينطلق من مجموعة من المسلمات في "المبادئ" إلى جانب التعريفات والبديهيات وهي أساس النسق الأوقليدي، والتي ينجم عنها بالضرورة نتائج مناسبة وملائمة للمقدمات في الأكسيوماتيك والأهم هو العلاقة بين القضايا فالمبادئ الأولية (البديهيات) ينبغي أن تكون جزء من النسق الذي يحكمها هكذا أصبحت الرياضيات نسقا فرضيا استنتاجيا. وعلى عكس منطق أرسطو فالضرورة في الأكسيوماتيك لا تكمن إلا في العلاقة المنطقية التي تجمع القضايا.

لذا انبنت على الهندسة اللاأوقليدية، كما انبنت الأشكال المتصورة عقليا بدل الأشكال المرسومة في الهندسة الأوقليدية والتي تشكل الواسطة للفهم فقط.

يقف بلانشي على البداهات معتبرا أن الأكسيوماتيك لا يقوم على البداهات بل يقوم على التماسك المنطقي بدل الحقيقة المطلقة. كما يرفض التعريفات بل ينبغي إعمال اللامعرفات والانطلاق منها كأساس فالتعريف في النظرية التقليدية يتم بالقياس إلى حدود أخرى وهذه بأخرى إلى ما لانهاية. في حين أنه في الاكسيوماتيك ينطلق من اللامعرفات كأساس للبرهان اي من خلال حدود لامعرفة، وحسب راسل فاللامعرف هو المنطلق.

وبناء عليه فإن الأكسيوماتيك عامة تقوم كما يرى بلانشي على: القضايا الغير المبرهن عليها، البديهيات أو المسلمات، الحدود الغير المعرفة أو اللامعرفات، بدلا: التعريفات، البديهيات، المسلمات أو المصادرات.

ويقر بلانشي على أن "البرهان والتعريف هما العمليتان الأساسيتان اللتان تنبع من خلالهما نظرية استنتاجية"، أي أن الاكسيوماتيك ينطلق من فرضيات ليتوصل إلى نتائج وهي نسبية لا تحتمل حقيقة مطلقة، حيث لا يجوز أن نقول عنها صادقة ولا كاذبة، حيث الأهم هو العلاقة المنطقية بين الفرض والاستنتاج ومن ثمة يصبح كل برهان بالمعنى التقليدي ـ الأوقليدي مرفوضا إلا كاستنتاج منطقي، لذلك لا وجود لصدق أو كذب في الاكسيوماتيك.
وبذلك فالاكسيوماتيك تميز بين الرياضيات الخالصة كعلم صوري والرياضيات التطبيقية كعلم بالواقع.

المراجع:

1. Robert blanche : l’axiomatique, PUF, le philosophe, 6° édition : 4° trimestre 1980.

2. Robert blanche : l’épistémologie, que sais je ? PUF, troisième édition, mars 1983.

3. roger caratini, introduction à la philosophie, l’archipel, 2000.

4. "درس الإبستمولوجيا"، سالم يافوت وعبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، الطبعة الأولى 1985.

5. " فلسفة الذرة المنطقية: برتراند راسل"، الجزء الأول، الدكتور ماهر عبد القادر محمد.

6. محمد عابد الجابري: "مدخل الى فلسفة العلوم"

7. أرسطو: "الفيزياء – السماع الطبيعي"، ترجمة عبد القادر فينيني، افريقيا الشرق 1998.

8. روبير بلانشي: "المنطق و تاريخه من أرسطو الى راسل"، ترجمة الدكتور خليل احمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر والمؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت.

يناير 2009

العلوي رشيد

الدار البيضاء ـ الألفة

ثانوية عبد العزيز الفشتالي

elalaouirachid2006@yahoo.fr



[1] - وموضوع المنطق الصوري هو الاستدلال، أي البحث عن الأسباب عن طريق الربط بين العلل والمعلولات. نبدأ فيه من مقدمات نسلم بصحتها لننتهى منها إلى النتائج التى تلزم عنها. فالاستدلال نوعان:

1- استدلال مباشر: عملية عقلية ينتقل بها الفكر من قضية إلى أخرى دون توسط قضية أخرى:

  • كل تاجر ذكي، بعض التجار أذكياء

2 - استدلال غير مباشر: أي استخلاص قضية من قضيتين أو أكثر وهو نوعان:

أ – الاستدلال القياسي: استخلاص الجزئيات من الكليات أو الاستدلال بالعام على الخاص.

والقياس: استخلاص قضية من قضيتين أو أكثر:

  • كل انسان فان، أرسطو إنسان، أرسطو فان

ويمكن أن نميز في القياس: الثنائي، البرهاني، الجدلي، السفسطائي، المركب، الشرطي...

الاستدلال القياسي: استخلاص الجزئيات من الكليات أو الاستدلال بالعام على الخاص.

ب ـ الاستقراء: استنتاج قضية عامة من أكثر من قضيتين (كلما كثر عدد المقدمات في الاستقراء زاد احتمال صدق النتيجة). كما يتم فيه الانتقال من الجزء نحو الكل من الخاص نحو العام. والاستدلال الاستقرائي: استخلاص نتائج القوانين العامة من الجزئيات، أي الاستدلال بالخاص على العام.

[2] - روبير بلانشي: "المنطق و تاريخه من أرسطو الى راسل"، ترجمة الدكتور خليل احمد خليل، ديوان المطبوعات، الجامعية الجزائر والمؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت. ص 38، ويعتبر هذا الكتاب أساسي للوقوف على منطق أرسطو.

[3] - اثر بحث مسلمة التوازي، التي تقول بأنه من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن نرسم إلا مواز واحد، من طرف لوباتشوفسكي عن طريق البرهان بالخلف أي أن ينطلق من نقيضها ليصل إلى تناقض، لم يوقفه أي تناقض، وهكذا انطلق من القضية التي تقول بأنه يمكن رسم أكثر من مواز من نقطة خارخ مستقيم، ومن تم اكتشف ما يعرف بالهندسة اللأوقليدية، وكذلك الشأن بالنسبة للهنغاري بولياي، وريمان سنة 1854 الذي افترض أنه لا يمكن رسم أي مواز لمستقيم من نقطة خارجه.

[4] - يذهب روجر غارانتيني Roger carantini في كتابه مدخل إلى الفلسفة: introduction à la philosophie في باب المنطق (ص 397)، إلى أن مفكري النهضة طوروا المنطق التقليدي في القرن 17، ويذكر بالأساس: راموس (1572 – 1515) Ramus ومناطقة بور – رويال les logiciens de Port-Royal ، وأرنو Arnauld (1694-1612)، نيكول Nicole (1625-1695) ثم الإيطالي saccheri (1667-1733) الذي انتقد ورفض المنطق الأرسطي (منطق التعريفات) ووضع الحدوس الأولية للنظرية اللاأوقليدية. كما أشار إلى النظام المنطقي الهندي كشكل من أشكال الحجاج فيما يعرف ب "نيايا" nyaya والتي تطورت في القرن السادس عشر على يد راخوناتا سيروماني raghumata siromani(1475-1550).

[5] - الهندسة التحليلية تدعى الهندسة الديكارتية كفرع من المعرفة الرياضية الذي تم من خلاله الربط بين فرعي الهندسة والجبر. و تهتم الهندسة التحليلية بالمواضيع ذاتها التي تهتم بها الهندسة التقليدية غير أنها تتيح طرقا أيسر لبرهان العديد من النظريات وتلعب دورا مهما في حساب المثلثات وحساب التفاضل والتكامل, و تهتم ايضا بدراسة الخواص الهندسية للأشكال باستخدام الوسائل الجبرية عادة تستخدم جمل احداثيات ديكارتية لوصف نقاط الفراغ بدلالة أرقام هي الاحداثيات ثم يتم ايجاد المعادلة الجبرية التي تصف كلا من الدائرة أو القطع الناقص أو القطع المكافيء ... وتقوم الهندسة التحليلية على وصف الأشكال الهندسية بطريقة جبرية عددية ، و استخراج معلومات رقمية من تمثيلات هندسية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire